عندما تجاوز الذهب حاجز الـ 4300 دولار للأوقية في منتصف أكتوبر 2025، كان ذلك إشارة واضحة على تحول جوهري في سلوك المستثمرين العالميين تجاه الأصول الآمنة. لكن التراجع التالي إلى منطقة 4000 دولار في نوفمبر طرح تساؤلات مهمة: هل ستشهد سنة 2026 قفزة جديدة نحو 5000 دولار، أم أن الذهب سيدخل مرحلة استقرار؟
الإجابة تكمن في فهم العوامل الاقتصادية والجيوسياسية المعقدة التي تحرك أسعار الذهب نحو الأمام.
الزخم الاستثماري: السبب الرئيسي وراء الارتفاع
بدأت قصة ارتفاع الذهب في 2025 برغبة شرعية من المستثمرين في البحث عن ملاذ آمن. فقد سجّل إجمالي الطلب على الذهب في الربع الثاني من السنة الحالية 1249 طناً، بارتفاع 3% سنوياً، لكن القيمة قفزت بمقدار 45% لتصل إلى 132 مليار دولار. هذا الفارق بين الحجم والقيمة يعكس بوضوح ارتفاع الأسعار الحاد.
وما يثير الانتباه أكثر هو الدور المتنامي لصناديق الذهب المتداولة في البورصة (ETFs)، حيث وصلت الأصول المُدارة إلى 472 مليار دولار، مع حيازات بلغت 3838 طن—أي بارتفاع 6% عن الفترة السابقة. هذه الأرقام تقترب من الذروة التاريخية البالغة 3929 طن، ما يشير إلى أن الطلب المؤسسي لم يتوقف بعد.
البنوك المركزية: المشتري الأساسي الذي لن يتوقف
لا تقتصر القصة على المستثمرين الأفراد فحسب. فقد استمرت البنوك المركزية حول العالم في تعزيز احتياطاتها بوتيرة قوية، مضيفة 244 طناً في الربع الأول من 2025 وحده—بزيادة 24% عن المتوسط الفصلي للسنوات الخمس الماضية.
الأهم من ذلك أن 44% من البنوك المركزية العالمية تدير الآن احتياطيات ذهبية، مقارنة بـ 37% في 2024. هذا التحول يعكس رغبة متزايدة في تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار الأمريكي، خاصة مع ارتفاع المخاطر السيادية.
الصين وحدها أضافت أكثر من 65 طناً خلال النصف الأول من 2025، مستمرة في هذا الاتجاه للشهر الثاني والعشرين على التوالي، بينما عززت تركيا احتياطاتها إلى ما يزيد عن 600 طن. هذه الحركات لا تبدو وكأنها متوقفة قريباً، مما يعني أن 2026 قد يشهد استمراراً لهذا الطلب المؤسسي القوي.
المعروض المحدود: الضغط الصاعد المستمر
من الجانب الآخر، يواجه السوق معضلة واضحة: الطلب يتسارع لكن العرض لا يواكبه. وصلت إنتاجية مناجم الذهب في الربع الأول من 2025 إلى رقم قياسي بلغ 856 طناً، لكن الزيادة كانت طفيفة جداً (1% فقط سنوياً)، وهي غير كافية لسد الفجوة المتنامية بين الطلب والعرض.
الأسوأ من ذلك أن الذهب المعاد تدويره انخفض بنحو 1% في الفترة ذاتها، لأن أصحاب القطع الذهبية فضلوا الاحتفاظ بها بدلاً من بيعها، توقعاً منهم لاستمرار الارتفاع. هذا الشح في العرض يخلق ضغطاً صعودياً طبيعياً على الأسعار.
إضافة إلى ذلك، ارتفعت تكاليف استخراج الذهب إلى حوالي 1470 دولاراً للأوقية في منتصف 2025—أعلى مستوى في عقد كامل—بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والأجور. هذا يعني أن أي توسع في الإنتاج سيكون بطيئاً ومكلفاً، مما يعمق المشكلة.
السياسة النقدية: الباب مفتوح للارتفاع
خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة في أكتوبر 2025 بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى النطاق 3.75-4.00%، وهو الخفض الثاني منذ ديسمبر 2024. والمؤشرات تشير إلى المزيد قادم.
أسواق المشتقات المالية (فيدووتش) تسعّر خفضاً إضافياً بـ 25 نقطة أساس خلال اجتماع ديسمبر 2025، ليكون الثالث من العام. وتحدثت بعض مسؤولي الفيدرالي عن إمكانية خفضات إضافية إذا ضعف سوق العمل.
إذا تحققت التوقعات، قد يصل معدل الفائدة إلى 3.4% بحلول نهاية 2026 في السيناريو المعتدل. هذا يعني تراجعاً في العوائد الحقيقية للسندات، مما يقلل من تكلفة الفرصة على الذهب كأصل لا يدرّ فائدة، ويعزز جاذبيته كأداة تحوط.
العملة الأمريكية والسندات: التراجع المتزامن يدعم الذهب
هناك علاقة عكسية واضحة بين الذهب وكل من الدولار الأمريكي والعوائد الحقيقية للسندات. عندما يضعف أحدهما أو كلاهما، يرتفع الذهب.
في 2025، تراجع مؤشر الدولار بنحو 7.64% من ذروته في بداية العام حتى نهاية نوفمبر، مدفوعاً بتوقعات خفض الفائدة وتباطؤ النمو. وفي الوقت ذاته، انخفضت عوائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات من 4.6% إلى حوالي 4.07%.
هذا التراجع المزدوج ساهم بشكل مباشر في تعزيز الطلب المؤسسي على الذهب، حيث يسعى المستثمرون إلى إعادة توازن محافظهم بعيداً عن الأصول الدولارية. ومع استمرار هذا الاتجاه، قد يجد الذهب نفسه في مسار صعودي مستدام خلال 2026.
الديون العالمية والتضخم: دفع الذهب نحو الأمام
تجاوز الدين العام العالمي 100% من الناتج المحلي الإجمالي، مما أثار مخاوف حقيقية بشأن استدامة السياسات المالية. في هذا السياق، يلجأ المستثمرون بشكل طبيعي إلى الذهب كحماية من فقدان القوة الشرائية.
أظهرت بيانات بلومبرغ إيكونوميكس أن نحو 42% من صناديق التحوط الكبرى عززت مراكزها في الذهب خلال الربع الثالث من 2025، في خطوة واضحة لحماية أنفسهم من المخاطر المالية طويلة الأجل.
والمثير أن البنك الدولي توقع ارتفاع أسعار الذهب بنسبة 35% في 2025، لكنه يتوقع تراجعاً طفيفاً في 2026 مع انحسار الضغوط التضخمية—مع بقاء الأسعار مرتفعة مقارنة بالسنوات السابقة.
التوترات الجيوسياسية: محفز إضافي للطلب
دعمت النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى توترات الشرق الأوسط، الطلب على الذهب كملاذ آمن. وأفادت رويترز أن الغموض الجيوسياسي في 2025 رفع الطلب بمقدار 7% على أساس سنوي.
عندما تصاعدت التوترات حول مضيق تايوان وتزايدت المخاوف بشأن إمدادات الطاقة، قفزت الأسعار الفورية إلى ما يزيد عن 3400 دولار للأوقية في يوليو، ثم تجاوزت 4300 دولار بحلول منتصف أكتوبر.
هذا السلوك يوضح كيف يتحرك الذهب سريعاً مع الأزمات، مما يعني أن أي صدمة جديدة في 2026 قد تدفعه إلى مستويات قياسية جديدة.
توقعات المحللين الكبار لعام 2026
بنك HSBC توقع أن يندفع الذهب نحو 5000 دولار للأوقية في النصف الأول من 2026، مع متوسط متوقع عند 4600 دولار خلال العام—ارتفاع ملحوظ من متوسط 3455 دولار في 2025.
بنك أوف أمريكا رفع توقعاته إلى 5000 دولار كذروة محتملة، مع متوسط 4400 دولار، لكنه نبّه إلى احتمال تصحيح قصير الأجل إذا بدأ المستثمرون جني الأرباح.
غولدمان ساكس عدّل توقعها إلى 4900 دولار للأوقية، مشيرة إلى تدفقات أقوى نحو صناديق الذهب ETFs واستمرار البنوك المركزية في الاقتناء.
بنك جيه بي مورغان توقع وصول الذهب إلى حوالي 5055 دولاراً بحلول منتصف 2026، مع متوسط 3675 دولار للربع الرابع من 2025.
النطاق الأكثر تكراراً بين المحللين الكبار يمتد بين 4800 و5000 دولار كذروة، مع متوسط يتراوح بين 4200 و4800 دولار.
هل سينخفض الذهب قريباً؟
رغم التوقعات الإيجابية، حذّر بنك HSBC من احتمال تصحيح نحو 4200 دولار في النصف الثاني من 2026 إذا لجأ المستثمرون لجني الأرباح. لكنه استبعد هبوطاً دون 3800 دولار ما لم تحدث صدمة اقتصادية كبرى.
وأشار غولدمان ساكس إلى أن الاستمرار فوق 4800 دولار قد يضع السوق أمام “اختبار المصداقية السعرية”—أي اختبار قدرة الذهب على الحفاظ على مستوياته العالية مع ضعف الطلب الصناعي.
لكن محللي جيه بي مورغان ودويتشه بنك أجمعوا على أن الذهب دخل منطقة سعرية جديدة يصعب كسرها نحو الأسفل، بفضل التحول الاستراتيجي في نظرة المستثمرين إليه كأصل طويل الأجل وليس مجرد أداة مضاربة.
مؤشرات تقنية متناقضة تحكم المسار القريب
أغلق الذهب تعاملات نوفمبر 2025 عند 4065.01 دولار، بعدما لامس ذروة تاريخية عند 4381.44 دولار في أكتوبر. وعلى الإطار اليومي، كسر السعر خط القناة الصاعدة، لكنه لا يزال يتمسك بخط الاتجاه الصاعد الرئيسي.
يُظهر دعم قوي عند 4000 دولار، مما يجعل هذه المنطقة فاصلة حاسمة. في حال اختراقها بإغلاق يومي واضح، قد يستهدف السعر 3800 دولار (50% من تصحيح فيبوناتشي) قبل العودة للصعود.
في المقابل، يُعتبر 4200 دولار أول خطوط المقاومة القوية، ويؤدي اختراقه إلى فتح المجال أمام 4400 ثم 4680 دولار.
مؤشر RSI يستقر عند 50—ما يشير إلى حياد تام دون ميل واضح. بينما يُظهر MACD خط الإشارة فوق الصفر، مؤكداً أن الاتجاه العام صاعد.
التوقع الفني يشير إلى استمرار التداول في نطاق عرضي بين 4000 و4220 دولار على المدى القريب، مع بقاء الصورة العامة إيجابية طالما ظل السعر فوق خط الاتجاه الرئيسي.
توقعات أسعار الذهب في منطقة الشرق الأوسط
شهدت منطقة الشرق الأوسط زيادة ملحوظة في احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية. أضاف البنك المركزي المصري طناً واحداً في الربع الأول من 2025، بينما أضاف البنك المركزي القطري 3 أطنان.
وفقاً لتوقعات متخصصة، قد يصل سعر الذهب في مصر إلى حوالي 522,580 جنيهاً مصرياً للأوقية في 2026—بزيادة 158.46% مقارنة بالأسعار الحالية.
أما في السعودية، فإذا اقتربت أسعار الذهب من 5000 دولار كما تشير بعض التوقعات الطموحة، قد يترجم ذلك إلى حوالي 18750 إلى 19000 ريال سعودي (بسعر صرف 3.75 إلى 3.80 ريال لكل دولار).
وفي الإمارات، قد تصل الأوقية إلى حوالي 18375 إلى 19000 درهم إماراتي بنفس السيناريو.
من المهم ملاحظة أن هذه التوقعات تقريبية وتعتمد على استقرار أسعار الصرف واستمرار الطلب العالمي دون تقلبات اقتصادية كبرى.
الخلاصة: هل سيحقق الذهب 5000 دولار في 2026؟
رغم حركة الذهب القوية والتفاؤل المحيط به، فإن توقعات السعر محورية في تحديد ما إذا كان المعدن النفيس سيحافظ على موقعه كملاذ آمن في عالم تتزايد فيه المخاطر الاقتصادية.
مع اقتراب نهاية دورة التشديق النقدي ودخول الاقتصاد العالمي مرحلة تباطؤ واضحة، قد يشهد السوق صراعاً بين جني الأرباح وموجات شراء جديدة من البنوك المركزية والمستثمرين المؤسسيين.
إذا استمرت العوائد الحقيقية في التراجع وبقي الدولار ضعيفاً، فإن الذهب مرشح قوي لتسجيل قمم تاريخية جديدة تجاوز 5000 دولار. لكن في حال تراجع التضخم وعودة الثقة للأسواق المالية، قد يدخل المعدن مرحلة استقرار طويلة الأجل قد تحول دون تحقيق تلك المستويات المستهدفة.
الأرجح أن 2026 سيشهد تقلبات متكررة بين المحاولات الصعودية والتصحيحات، مع ميل عام نحو الأعلى طالمت استمرت العوامل الداعمة الحالية.
قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
هل يقترب الذهب من 5000 دولار في 2026؟ تحليل شامل لتوقعات الأسعار والعوامل المؤثرة
تصاعد جديد ينتظر المعدن الثمين
عندما تجاوز الذهب حاجز الـ 4300 دولار للأوقية في منتصف أكتوبر 2025، كان ذلك إشارة واضحة على تحول جوهري في سلوك المستثمرين العالميين تجاه الأصول الآمنة. لكن التراجع التالي إلى منطقة 4000 دولار في نوفمبر طرح تساؤلات مهمة: هل ستشهد سنة 2026 قفزة جديدة نحو 5000 دولار، أم أن الذهب سيدخل مرحلة استقرار؟
الإجابة تكمن في فهم العوامل الاقتصادية والجيوسياسية المعقدة التي تحرك أسعار الذهب نحو الأمام.
الزخم الاستثماري: السبب الرئيسي وراء الارتفاع
بدأت قصة ارتفاع الذهب في 2025 برغبة شرعية من المستثمرين في البحث عن ملاذ آمن. فقد سجّل إجمالي الطلب على الذهب في الربع الثاني من السنة الحالية 1249 طناً، بارتفاع 3% سنوياً، لكن القيمة قفزت بمقدار 45% لتصل إلى 132 مليار دولار. هذا الفارق بين الحجم والقيمة يعكس بوضوح ارتفاع الأسعار الحاد.
وما يثير الانتباه أكثر هو الدور المتنامي لصناديق الذهب المتداولة في البورصة (ETFs)، حيث وصلت الأصول المُدارة إلى 472 مليار دولار، مع حيازات بلغت 3838 طن—أي بارتفاع 6% عن الفترة السابقة. هذه الأرقام تقترب من الذروة التاريخية البالغة 3929 طن، ما يشير إلى أن الطلب المؤسسي لم يتوقف بعد.
البنوك المركزية: المشتري الأساسي الذي لن يتوقف
لا تقتصر القصة على المستثمرين الأفراد فحسب. فقد استمرت البنوك المركزية حول العالم في تعزيز احتياطاتها بوتيرة قوية، مضيفة 244 طناً في الربع الأول من 2025 وحده—بزيادة 24% عن المتوسط الفصلي للسنوات الخمس الماضية.
الأهم من ذلك أن 44% من البنوك المركزية العالمية تدير الآن احتياطيات ذهبية، مقارنة بـ 37% في 2024. هذا التحول يعكس رغبة متزايدة في تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار الأمريكي، خاصة مع ارتفاع المخاطر السيادية.
الصين وحدها أضافت أكثر من 65 طناً خلال النصف الأول من 2025، مستمرة في هذا الاتجاه للشهر الثاني والعشرين على التوالي، بينما عززت تركيا احتياطاتها إلى ما يزيد عن 600 طن. هذه الحركات لا تبدو وكأنها متوقفة قريباً، مما يعني أن 2026 قد يشهد استمراراً لهذا الطلب المؤسسي القوي.
المعروض المحدود: الضغط الصاعد المستمر
من الجانب الآخر، يواجه السوق معضلة واضحة: الطلب يتسارع لكن العرض لا يواكبه. وصلت إنتاجية مناجم الذهب في الربع الأول من 2025 إلى رقم قياسي بلغ 856 طناً، لكن الزيادة كانت طفيفة جداً (1% فقط سنوياً)، وهي غير كافية لسد الفجوة المتنامية بين الطلب والعرض.
الأسوأ من ذلك أن الذهب المعاد تدويره انخفض بنحو 1% في الفترة ذاتها، لأن أصحاب القطع الذهبية فضلوا الاحتفاظ بها بدلاً من بيعها، توقعاً منهم لاستمرار الارتفاع. هذا الشح في العرض يخلق ضغطاً صعودياً طبيعياً على الأسعار.
إضافة إلى ذلك، ارتفعت تكاليف استخراج الذهب إلى حوالي 1470 دولاراً للأوقية في منتصف 2025—أعلى مستوى في عقد كامل—بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والأجور. هذا يعني أن أي توسع في الإنتاج سيكون بطيئاً ومكلفاً، مما يعمق المشكلة.
السياسة النقدية: الباب مفتوح للارتفاع
خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة في أكتوبر 2025 بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى النطاق 3.75-4.00%، وهو الخفض الثاني منذ ديسمبر 2024. والمؤشرات تشير إلى المزيد قادم.
أسواق المشتقات المالية (فيدووتش) تسعّر خفضاً إضافياً بـ 25 نقطة أساس خلال اجتماع ديسمبر 2025، ليكون الثالث من العام. وتحدثت بعض مسؤولي الفيدرالي عن إمكانية خفضات إضافية إذا ضعف سوق العمل.
إذا تحققت التوقعات، قد يصل معدل الفائدة إلى 3.4% بحلول نهاية 2026 في السيناريو المعتدل. هذا يعني تراجعاً في العوائد الحقيقية للسندات، مما يقلل من تكلفة الفرصة على الذهب كأصل لا يدرّ فائدة، ويعزز جاذبيته كأداة تحوط.
العملة الأمريكية والسندات: التراجع المتزامن يدعم الذهب
هناك علاقة عكسية واضحة بين الذهب وكل من الدولار الأمريكي والعوائد الحقيقية للسندات. عندما يضعف أحدهما أو كلاهما، يرتفع الذهب.
في 2025، تراجع مؤشر الدولار بنحو 7.64% من ذروته في بداية العام حتى نهاية نوفمبر، مدفوعاً بتوقعات خفض الفائدة وتباطؤ النمو. وفي الوقت ذاته، انخفضت عوائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات من 4.6% إلى حوالي 4.07%.
هذا التراجع المزدوج ساهم بشكل مباشر في تعزيز الطلب المؤسسي على الذهب، حيث يسعى المستثمرون إلى إعادة توازن محافظهم بعيداً عن الأصول الدولارية. ومع استمرار هذا الاتجاه، قد يجد الذهب نفسه في مسار صعودي مستدام خلال 2026.
الديون العالمية والتضخم: دفع الذهب نحو الأمام
تجاوز الدين العام العالمي 100% من الناتج المحلي الإجمالي، مما أثار مخاوف حقيقية بشأن استدامة السياسات المالية. في هذا السياق، يلجأ المستثمرون بشكل طبيعي إلى الذهب كحماية من فقدان القوة الشرائية.
أظهرت بيانات بلومبرغ إيكونوميكس أن نحو 42% من صناديق التحوط الكبرى عززت مراكزها في الذهب خلال الربع الثالث من 2025، في خطوة واضحة لحماية أنفسهم من المخاطر المالية طويلة الأجل.
والمثير أن البنك الدولي توقع ارتفاع أسعار الذهب بنسبة 35% في 2025، لكنه يتوقع تراجعاً طفيفاً في 2026 مع انحسار الضغوط التضخمية—مع بقاء الأسعار مرتفعة مقارنة بالسنوات السابقة.
التوترات الجيوسياسية: محفز إضافي للطلب
دعمت النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى توترات الشرق الأوسط، الطلب على الذهب كملاذ آمن. وأفادت رويترز أن الغموض الجيوسياسي في 2025 رفع الطلب بمقدار 7% على أساس سنوي.
عندما تصاعدت التوترات حول مضيق تايوان وتزايدت المخاوف بشأن إمدادات الطاقة، قفزت الأسعار الفورية إلى ما يزيد عن 3400 دولار للأوقية في يوليو، ثم تجاوزت 4300 دولار بحلول منتصف أكتوبر.
هذا السلوك يوضح كيف يتحرك الذهب سريعاً مع الأزمات، مما يعني أن أي صدمة جديدة في 2026 قد تدفعه إلى مستويات قياسية جديدة.
توقعات المحللين الكبار لعام 2026
بنك HSBC توقع أن يندفع الذهب نحو 5000 دولار للأوقية في النصف الأول من 2026، مع متوسط متوقع عند 4600 دولار خلال العام—ارتفاع ملحوظ من متوسط 3455 دولار في 2025.
بنك أوف أمريكا رفع توقعاته إلى 5000 دولار كذروة محتملة، مع متوسط 4400 دولار، لكنه نبّه إلى احتمال تصحيح قصير الأجل إذا بدأ المستثمرون جني الأرباح.
غولدمان ساكس عدّل توقعها إلى 4900 دولار للأوقية، مشيرة إلى تدفقات أقوى نحو صناديق الذهب ETFs واستمرار البنوك المركزية في الاقتناء.
بنك جيه بي مورغان توقع وصول الذهب إلى حوالي 5055 دولاراً بحلول منتصف 2026، مع متوسط 3675 دولار للربع الرابع من 2025.
النطاق الأكثر تكراراً بين المحللين الكبار يمتد بين 4800 و5000 دولار كذروة، مع متوسط يتراوح بين 4200 و4800 دولار.
هل سينخفض الذهب قريباً؟
رغم التوقعات الإيجابية، حذّر بنك HSBC من احتمال تصحيح نحو 4200 دولار في النصف الثاني من 2026 إذا لجأ المستثمرون لجني الأرباح. لكنه استبعد هبوطاً دون 3800 دولار ما لم تحدث صدمة اقتصادية كبرى.
وأشار غولدمان ساكس إلى أن الاستمرار فوق 4800 دولار قد يضع السوق أمام “اختبار المصداقية السعرية”—أي اختبار قدرة الذهب على الحفاظ على مستوياته العالية مع ضعف الطلب الصناعي.
لكن محللي جيه بي مورغان ودويتشه بنك أجمعوا على أن الذهب دخل منطقة سعرية جديدة يصعب كسرها نحو الأسفل، بفضل التحول الاستراتيجي في نظرة المستثمرين إليه كأصل طويل الأجل وليس مجرد أداة مضاربة.
مؤشرات تقنية متناقضة تحكم المسار القريب
أغلق الذهب تعاملات نوفمبر 2025 عند 4065.01 دولار، بعدما لامس ذروة تاريخية عند 4381.44 دولار في أكتوبر. وعلى الإطار اليومي، كسر السعر خط القناة الصاعدة، لكنه لا يزال يتمسك بخط الاتجاه الصاعد الرئيسي.
يُظهر دعم قوي عند 4000 دولار، مما يجعل هذه المنطقة فاصلة حاسمة. في حال اختراقها بإغلاق يومي واضح، قد يستهدف السعر 3800 دولار (50% من تصحيح فيبوناتشي) قبل العودة للصعود.
في المقابل، يُعتبر 4200 دولار أول خطوط المقاومة القوية، ويؤدي اختراقه إلى فتح المجال أمام 4400 ثم 4680 دولار.
مؤشر RSI يستقر عند 50—ما يشير إلى حياد تام دون ميل واضح. بينما يُظهر MACD خط الإشارة فوق الصفر، مؤكداً أن الاتجاه العام صاعد.
التوقع الفني يشير إلى استمرار التداول في نطاق عرضي بين 4000 و4220 دولار على المدى القريب، مع بقاء الصورة العامة إيجابية طالما ظل السعر فوق خط الاتجاه الرئيسي.
توقعات أسعار الذهب في منطقة الشرق الأوسط
شهدت منطقة الشرق الأوسط زيادة ملحوظة في احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية. أضاف البنك المركزي المصري طناً واحداً في الربع الأول من 2025، بينما أضاف البنك المركزي القطري 3 أطنان.
وفقاً لتوقعات متخصصة، قد يصل سعر الذهب في مصر إلى حوالي 522,580 جنيهاً مصرياً للأوقية في 2026—بزيادة 158.46% مقارنة بالأسعار الحالية.
أما في السعودية، فإذا اقتربت أسعار الذهب من 5000 دولار كما تشير بعض التوقعات الطموحة، قد يترجم ذلك إلى حوالي 18750 إلى 19000 ريال سعودي (بسعر صرف 3.75 إلى 3.80 ريال لكل دولار).
وفي الإمارات، قد تصل الأوقية إلى حوالي 18375 إلى 19000 درهم إماراتي بنفس السيناريو.
من المهم ملاحظة أن هذه التوقعات تقريبية وتعتمد على استقرار أسعار الصرف واستمرار الطلب العالمي دون تقلبات اقتصادية كبرى.
الخلاصة: هل سيحقق الذهب 5000 دولار في 2026؟
رغم حركة الذهب القوية والتفاؤل المحيط به، فإن توقعات السعر محورية في تحديد ما إذا كان المعدن النفيس سيحافظ على موقعه كملاذ آمن في عالم تتزايد فيه المخاطر الاقتصادية.
مع اقتراب نهاية دورة التشديق النقدي ودخول الاقتصاد العالمي مرحلة تباطؤ واضحة، قد يشهد السوق صراعاً بين جني الأرباح وموجات شراء جديدة من البنوك المركزية والمستثمرين المؤسسيين.
إذا استمرت العوائد الحقيقية في التراجع وبقي الدولار ضعيفاً، فإن الذهب مرشح قوي لتسجيل قمم تاريخية جديدة تجاوز 5000 دولار. لكن في حال تراجع التضخم وعودة الثقة للأسواق المالية، قد يدخل المعدن مرحلة استقرار طويلة الأجل قد تحول دون تحقيق تلك المستويات المستهدفة.
الأرجح أن 2026 سيشهد تقلبات متكررة بين المحاولات الصعودية والتصحيحات، مع ميل عام نحو الأعلى طالمت استمرت العوامل الداعمة الحالية.